الأربعاء، يوليو 11، 2012

روائح للبيـع ..!





  الكاتب : فهد عامر الأحمدي ..

- - - - - - - - - - - - - -

 قبل أيام نزل في اليابان عقار جديد لمُكافحة السُمنة وإزالة الشحوم .. وهو عقار يعتمد - حسب الشركة المنتجة - على شمّ رائحة خاصة تُحفّز المُخ على إحراق الدهون المخزنة في حنايا الجسم , والعقار الجديد نتيجة أبحاث جادة تمت في مختبرات شركة شيسيديو ( التي تسيطر على 80% من أسواق التجميل في اليابان ) ورغم أنّ الشركة ترفض الحديث عن تركيبة العقار ولكن يعتقد أنّه يعتمد على حقيقة وجود روائح معينة تطلق مادة النوراديرنالين في الدم , وهذه المادة معروفة بقدرتها على تفكيك الخلايا الدُهنية وتُفرز حين يُستثار الجهاز العصبي في الإنسان ( وحسب معلوماتي المُتواضعة يمكن إطلاق هذه المادة باستنشاق روائح مثل قشر البرتقال ، والفلفل الاخضر ، والجريب فروت ؛ وبالتالي قد لا يجد البدين حاجة لشراء العقار من اليابان ) !!
وبالنسبة لليابانيين لا تعد الفكرة جديدة بالكامل ؛ فأغلب المؤسسات اليابانية تستعمل جهازاً ينشر روائح تبعث على النشاط والحيوية بين الموظفين ورغم أنّ فكرة الجهاز لا تختلف عن " المجمرة " لدينا إلاّ أنّه يترك للمدير خياراً أوسع لنشر العطر المناسب لطبيعة العمل !!
هذا الإختراع يقودنا للحديث عن تأثير الروائح على مزاج وتصرفات الانسان , فالدماغ يستقبل الروائح برفقة مشاعر وذكريات ومواقف عديدة , لهذا السبب حين يحدث العكس ( ونشم رائحة مُعينة ) نتذكر مواقف مُرادفة ونعود لأمزجة سابقة , فرطوبة المُكيّف تُذكّرنا مثلاً بهطول المطر ، ورائحة العشب تُذكّرنا بالتخييم ، وعطر الزوج يستدعي ذكريات رومانسية قديمة ..
أما أغرب الروائح المكتشفة فهي رائحة " الانوستيرون " التي تضفي على حاملها طابع خفة الظل ، ورائحة التريتارا الاستوائية التي تحث الآخرين على " الالتصاق " وضم صاحبها ، وزهرة التبغ التي تغني برائحتها الجميلة عن النيكوتين ..
وكما ترتبط الرائحة مع الحواس الآخرى لتُحدّد ميلنا أو نفورنا من طعام مُعين ؛ فرائحة " الكباب " تسيّل اللعاب وتولد نكهته في الفم ، في حين تسبب رائحة " الشطة " الشعور بالغليان ووقوف الشعر , وإلى الآن لا يعرف العُلماء لماذا نعشق الورد والياسمين ونكرة رائحة البيض الفاسد أو لماذا تثير فينا بعض الروائح الشعور بالفرح والسرور وآخرى الكآبة والنفور !!
وبطبيعة الحال لا يلغي هذا حقيقة وجود روائح " خطيرة " تؤثر على مزاجنا العام من خلال تأثيرها المباشر على كيميائية الدماغ ( دون أن ترتبط بالضرورة بمواقف وتجارب مسبقة ) ؛ فما يعرف بـ " الغاز المُضحك " مثلاً يُثير فينا الضحك بشكل هستيري ، ومادتي السكوبولامين واميتال الصوديوم تجعلنا أقل تحفظُاً وأكثر ميلاً للثرثرة ( وتُدعى غاز الاعتراف ) ورائحة الحشيشة تُدخلنا في عالم الفنتازيا وتفصلنا عن الواقع .. أضف لهذا أنّ هناك روائح تبعث على السكينة والاستسلام ( قيل أنّ الروس استعملوها لمواجهة عُمال المصانع الثائرين ) وقنابل مُثبّطة للعزيمة ( دخلت العام الماضي ضمن أسلحة البنتاغون السرية ) وغازات عديمة الرائحة تشل الجهاز التنفسي والعصبي ( مثل غاز الأعصاب والخردل اللذين استعملا منذ الحرب العالمية الأولى ) !
وكُل هذا يجعلني أتوقع ظهور روائح جديدة ذات أهداف صحيّة ونفسية واجتماعية وسياسية مُختلفة .. فـ بالإضافة لاكتشاف غاز الأعصاب والخردل أتوقع مُستقبلاً تركيب روائح هدفها تغيير سلوك الشعب ومحو ذاكرته وإشاعة السرور بين أفراده كُلّما اكتووا بموجة تضخّم جديدة .. أمّا الأهم فعلاً فهو ابتكار رائحة تهيئهم لتقبل ولاية ثامنة وتاسعة وعاشرة للزعيم دون الحاجة لأي ربيع تتفتح فيه الأزهار ..
حينها فقط يمكن القول: قُل لي ماذا تشم .. أقل لكَ في أي دولة تعيش ؟!
- - - - - - - - - - - - - -


قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مثل الجليس الصالح والجليس السوء : كحامل المسك , ونافخ الكير 
فحامل المسك إمّا أن يَحْذِيَك وإمّا أن تبتاع منه وإمّا أن تجد منه ريحاً طيبة , ونافخ الكير إمّا أن يُحرق ثيابك
 وإمّا أن تجد من ريحاً خبيثة " [ مُتفق عليه ]



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق