الثلاثاء، سبتمبر 03، 2013

ليس الغريب ..!








قصيدة تجعلك تعرف أن هذه الدُنيـا كُل من عليها فنـاء, فلا أحد يبقى لأحد ..!
{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ }

~

ليس الغريب غريب الشام واليمن .. إن الغريب غريب اللحد والكفنِ
إن الغريب له حق لغربته .. على المقيمينَ في الأوطان والسكنِ
لا تَنهرَنَّ غَريبًا حَال غُربتهِ .. الدهرُ ينهرهُ بالذُلِ والمِحَنِ
سفري بعيد وزادي لن يبلغني .. وقوتي ضعفت والموت يطلبني
ولي بقايا ذنوب لست أعلمها .. الله يعلمها في السر والعلنِ
ما أحلم الله عنّي حيث أمهلني .. وقد تماديتُ في ذنبي ويسترني
تمرُّ ساعاتُ أيامي بلا ندم .. ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حَزَنِ
أنا الذي أُغلقُ الأبوابَ مُجتهداً .. على المعاصي وعينُ الله تنظرُنِي
يا زلةً كُتبت في غفلة ذهبت .. يا حسرةً بقيت في القلب تُحرقُنِي
دعني أنوحُ على نفسي وأندُبها .. وأقطع الدهر بالتذّكير والحزَنِ
دعْ عنك عَذلي يا من كان يعذلُني .. لو كُنت تعلم ما بي كُنتَ تعذُرني
دعني أسحُّ دموعًا لا انقطاع لها .. فهَلْ عسى عبرةٌ منها تُخلصني
كأنني بين جُلِّ الأهل مُنطرحًا .. على الفراشِ وأيديهم تُقلّبني
وقدْ تجمَّع حولي مَن ينوح ومن .. يبكي عليَّ وينعاني ويندُبني
وقد أتوا بطبيبٍ كي يُعالجني .. ولم أرَ الطِّبَ هذا اليومَ ينفعني
واشّتَد نزعي وصاَر الموتُ يجِذبُهَا .. من كُلِ عِرقٍ بلا رفقٍ ولا هَونِ
واستخرَج الروح منّي في تغرّغُرِهَا .. وصَار ريقي مريرًا حينَ غرّغرنِي
وقام من كان حِبَّ الناس في عجَلٍ .. نحو المُغَسِّل يأتيني يُغسِّلُنِي
وقالَ يا قومُ نبغِي غاسلًا حذِقًـا .. حُرًا أديبًا عارفًـا فَطِنِ
فجاءني رجلٌ منهُم فجرَّدني .. من الثيَابِ وأعرانِي وأفردنِي
وأودَعونِي على الألواحِ مُنطَرحًا .. وصَار فوقِي خريرُ المَاءِ يُنْظِفُنِي
وأسْكبَ المَاء من فوقِي وغسَّلني .. غَسلًا ثلاثًـا ونادىَ القومَ بالكَفنِ
وألْبسوني ثيابًـا لا كِمَامَ لهَا .. وصَار زادي حنوطِي حينَ حنَّطَنِي
وأخرجونِي من الدُنيا فوَا أسفَا .. على رحيلي بلاَ زادٍ يُبلّغنِي
وحمَّلونِي على الأكتافِ أربعةٌ .. من الرجَالِ وخلفِي منْ يُشيّعُنِي
وقدَّموني إلى المِحرَابِ وانصرَفوا .. خلفَ الإمامِ فصلّى ثم ودّعنِي
صلّوا عليَّ صلاةً لا ركوعَ لهَا .. ولاَ سُجودَ لعلّ الله يرحمُنِي
وأنزلونِي إلى قبري على مهلٍ .. وقدّموا واحدًا منهُم يُلّحدونِي
وكشَّف الثوبَ عن وجهي لينظُرنِي .. وأسَبلَ الدْمعَ من عينيهِ أغرقنِي
فقامَ مُحترِمًا بالعزمِ مُشتملًا .. وصَفّفَ اللبْن من فوقِي وفارقنِي
وقال هُلُّوا عليهِ التُربَ واغتَنِموا .. حُسنَ الثوابِ من الرحمنِ ذي المِنَنِ
في ظُلمةِ القْبرِ لا أمٌ هُناكَ ولاَ .. أبٌ شفيقُ ولاَ أخٌ يُؤنسُنِي
وهالَنِي صورةٌ في العَينِ إذْ نظَرتْ .. من هولِ مطلعِ ما قدْ كانَ أدهشَنِي
من مُنكرٍ ونكيرٍ ما أقول لهُم .. قد هالنِي أمرُهُم جدًا فأفزعنِي
وأقعدونِي وجَدّوا في سؤالهمُ .. مالِي سواكَ إلهِي منْ يُخلّصُنِي
فاَمنُنُ عليَّ بعفوٍ منكَ يا أملي .. فإنني موثقٌ بالذَنبِ مُرتَهَنِ
تقَاسَم الأهلُ مالِي بعدمَا انصرفوا .. وصَار وزري علَى ظَهري فأثقَلنِي
واستبدلَتْ زوجتي بعلاً لهَا بدلِي .. وحَكَّمتهُ على الأموالِ والسَكنِ
وصيَّرت ولَدي عبدًا لِيخدُمَهَا .. وصَار مالِي لهُم حِلاً بلاَ ثَمنِ
فلاَ تغُرنّكَ الدُنيَا وزينتُهَا .. وانظُرْ إلى فِعلِهَا في الأهلِ والوطنِ
وانظُرْ إلى منْ حَوىَ الدُنيا بأجمعِهَا .. هلْ راحَ منهَا بغيرِ الحَنطِ والكَفَنِ
خُذْ القنَاعة منْ دُنياكَ وارضَ بهَا .. لو لمْ يكُنْ لكَ إلاّ راحَةُ البدنِ
يازَارعَ الخَيرِ تَحصُدْ بعدهُ ثمرًا .. يازَارعَ الشَّرِ موصوفٌ علَى الوهَنِ
يا نفسُ كُفّي عن العصيَانِ .. واكتَسِبي فِعلاً جميلاً لَعلّ الله يرحمُنِي
يانفسُ ويّحَكِ توبي واعملِي حَسنًـا .. عسَى تُجازينَ بعد الموتِ بالحَسَنِ
ثُمَّ الصلاةُ علىَ المُختَارِ سيّدِنَا مَا .. وضّأْ البَرقُ في شَامٍ وفي يَمنِ
والحمدُ للهِ مُمُسِينَا ومُصبحِنَا .. بالخيرِ والعفوِ والإحِسَانِ والمِنَنِ


~



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق